الموقع الرسمى لعائله الحداد بمصر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كلمة مولانا الشيخ محمد احمد رضوان

اذهب الى الأسفل

كلمة مولانا الشيخ محمد احمد رضوان Empty كلمة مولانا الشيخ محمد احمد رضوان

مُساهمة  الشريف مهدى الحداد الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 2:40 am


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، حمد الأحباب الذين تحابوا في جلال مولاهم فعرفوه وتعلقت نفوسهم به فوحدوه، فصاروا به أخوةً متحابين وله موحدين ولأوامره مؤدين ولنواهيه مجتنبين وعلى بابه واقفين خاشعين خاضعين وجلين مطمئنين فرحين مستبشرين بما أعده الله لهم من خير الدنيا والآخرة، أخذوا بالأسباب ولم يقفوا معها، لأنهم في معية رب الأسباب.
وما تعطل سيرهم في طريق الله، لأنهم في حضرة الله وفي معية رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
خلقتنا يا إلهي لكي نكون عباداً لك خاشعين خاضعين لجلالك شاهدين بوحدانيتك وشرحت صدورنا ورققت قلوبنا وعرفتنا أن الحب فيك إخلاص والإخلاص في حبك يقين، وأنرت طريقك للسالكين إذ أرسلت لهم سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم نبراس الهداية لمن أراد أن يهتدي، فلا حيرة تصيبُ عبداً استدل برسول الله عليك واستدل بك على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

إلهي يا من نطقت بوحدانيتك الكائنات، خلقت الخلق بقدرتك، وجعلت لهم قلوباً وعقولاً يتأملون بها آلاءك ويشهدون بها على وحدانيتك، سبحانك سبحانك قدرت فهديت ووضحت طريقك للسالكين وبينت بفضلك طرق الشيطان ونهيت عن السير فيها، لأن السير فيها هلاك.
وعلى الأمة إذا أرادت النجاة فعليها التمسك بحبل الله واتباع رسول الله والإقتداء به صلى الله عليه وسلم
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} آل عمران 31.
فيا ليت الأمة اتبعت الطريق السوي، ولكن لعبت بها الأهواء وضلت القلوب، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لكن باب الله مفتوحٌ لكل من تاب ورجع وأناب، ومنارات الطريق موجودة في كل مكان وزمان، فلقد جعل الله في الكون أولياء لحضرته لأنه الرحيم بعباده، وإذا أراد الخير بالعبد ساقه إلى عارف به ليدله عليه به ويسلك به الطريق السوي والصراط المستقيم {الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} سورة الفرقان 59. اللهم دلنا عليهم ودلنا على من يدلنا عليهم.

وأصلي وأسلم على النبي الكريم الصادق الأمين رحمة الله للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

أتقدم بهذا المجهود المتواضع في جمع ما قاله مولانا العارف بالله الشيخ أحمد رضوان، قاصداً وجه الله ووجه رسوله صلى الله عليه سلم وأن ينتفع الجميع بما قاله مولانا رضي الله عنه، وما هذا المجهود المتواضع إلا بداية إن شاء الله في جمع ما تركه لنا رضي الله عنه، فلقد ترك لنا كنزاً ثميناً من فيض علم الله، ولقد كانت حياته رضي الله عنه، فضلاً وتفضلاً من الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة،لأنه ضرب أروع الأمثلة في كيفية السير في طريق الله، والحب في الله وفي رسوله صلى الله عليه وسلم وجمع بفضل الله القلوب على محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبينت لنا حياته رضي الله عنه، فضل مصاحبة الصالحين وفضل مجالستهم وكيفية التخلق بأخلاقهم المحمدية وكيفية التأدب مع أهل حضرة الله.

ولقد قال رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى ثلاثة علوم:
- علمَ الشريعة فنشره بين الأمة.
- وعلماً خُير فيه فأعطاه بعض أصحابه دون بعض.
- وعلماً علمه وأمر بكتمه وهو علم سر القدر.

أما علوم العارفين بالله، فتؤخذ مشافهة من عارف إلى عارف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتُفاض عليهم من باب (وعلمناه من لدُنا علماً) وهذا هو علم العارفين..
ولا يُعطى هذا العلم إلا لرجل طرح الأكوان، وأحب الرحمن، واقتدى بالقرآن، واتبع سيد الأنام.
وهذا العارف لو خطر في قلبه خاطر دون الله تعالى سهواً، لتعطل سيره وما كان من العارفين أه.


- فأردت أن أنتهل من علمه رضي الله عنه انتهال قلبٍ قبل أن يكون انتهال يدٍ، وأضعه بين أيديكم، كي نتعلم ونتأدب بما قاله مولانا رضي الله عنه، فالحمد لله الذي أكرمنا به في الدنيا وأسأل الله أن يكرمنا به في الآخرة مع جده المصطفى صلى الله عليه وسلم، كرامة نبلغ بها آمالنا.
ودليل الصدق أنك تجد كلامه رضي الله عنه يأخذ طريقه إلى قلبك مباشرة، لأنه خاطب القلب قبل السمع. فعندما نسمع أو نقرأ عن مولانا العارف بالله الشيخ أحمد رضوان وعن علمه، كأننا حاضرون بين يديه نسمع ما يقوله، أمدنا الله بمدده وبمدد أبنائه مولانا العارف بالله الشيخ محمد أحمد رضوان ومولانا العارف بالله الشيخ صالح أحمد رضوان ومولانا العارف بالله الشيخ زين العابدين أحمد رضوان ومولانا العارف بالله الشيخ عبد الله أحمد رضوان، وجميع أولياء الله الصالحين في مشارق الأرض ومغاربها فوجودهم بيننا هو عين الكرامة.

ولقد قال لنا مولانا الشيخ زين العابدين أحمد رضوان.
"والله أنا فَرِحٌ بكم، لأنكم تجمعون كلام مولانا العارف بالله الحاج أحمد رضوان، فلقد كانت حياته منهاجاً ولابد أن يُدرس كي يستفيد منه الجميع" أه.

فأرجو من الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا جميعاً بما قاله شيخنا وأستاذنا وقدوتنا مولانا العارف بالله الشيخ أحمد رضوان، وأن يوفقنا لمحبة الصالحين والتأدب معهم والتخلق بأخلاقهم وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأسأل الله العلي العظيم أن يُكرم من كتب أحاديث مولانا العارف بالله الحاج أحمد رضوان ونقلها لنا، وأن يجزيه عنا وعن كافة المسلمين خير الجزاء وينزله منازل الشهداء.





كلمة مولانا الشيخ محمد أحمد رضوان

يقول عن والده العارف بالله الشيخ أحمد رضوان:

هو شيخنا وإمامنا وملاذنا وقدوتنا إلى الله تعالى لا يُشك في جهاده، ولا يُماري ممارٍ في صبره، بل جاهد الجهاد المطلوب وصبر الصبر المطلوب، ولولا أنه والدي لقلت أنه: إذا كان للمشتاق أن يمتع ناظره فلينظر إليه فيما قاله ليعرف مكان أهل التمكين، ويعرف مكان أهل الوصول.
فشيخنا كان واصلاً وموصولاً ومتصلاً ومُوصِلاً، وهذا لا يُشك فيه ولا يُناقش.
كان واحداً في عصره، فريداً في زمانه، عالماً في وقته، عَلماً في دينه، جاهد فوصل وتمسكن فتمكن، ورغب في ربه فأغدق
عليه من عطاياه، علمنا أن أعظم الحب أن نحب في الله وبالله ولله وأكرم المودة مودة أهل الله وآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأكبر كرامة له رضي الله عنه ورحمة ما قالها لي:
"أي بني إن سُئلت عن كرامة لوالدك فقل: أنه لم يترك لنا ما نتقاتل به عليه، ولم يترك علينا ما نغضب به عليه، فقل لهم: تركنا لله والله أولى بنا وتركنا في كنف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا نبتعد عن طريق ربنا). وأرى أن هذه كرامة عُظمى، لمن لا يتركون لأهلهم ما يعصون الله به أو يعصون الله فيه تلك هي أخلاق الصالحين، ونهج المقربين، فهم على سُنة
سيد المرسلين، لأنهم منه، به، إليه. منه مستمدون وبه متلقون وإليه مشتاقون.
فقد ترك لنا رضوان الله عليه ثقتنا بربنا ثقة لا تُعد بعد ولا تُقاس بحد، وإنا نعاهده رضي الله عنه، أن نسير سيره، ونقتفي
أثره، ونجاهد جهاده، ونصبر صبره. فإن مولانا وشيخنا الحاج أحمد رضوان مجدد عصره، لقد رسم لأحبابه منهجاً من السلوك القويم وأخذ بأيديهم إلى الامتثال لكتاب الله والسير على هداه والإقتداء بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتتبع خطاه وترك شيخنا رضي الله عنه تراثاً من المحبة بين معاصريه ومحبيه توارثوه فيما بينهم، فأعطى صورة مشرفة للداعية المسلم المستنير الذي عرف الله وعرّف بالله.أه


كلمة الشيخ مصطفى محمود الأنصاري

في بعض ما كتبه عن مولانا العارف بالله جدي الشيخ أحمد رضوان رضي الله عنه حيث قال:
لقد جعل الله أولياءه مصابيح يهتدي الناس بهم وينعمون في حياتهم بالاجتماع بهم، فهنيئاً لمن اجتمع واهتدى بهم وغذى روحه بحديثهم وارتشف من مناهلهم، وهنيئاً لمن اكتسب محبتهم وصحبتهم في حلهم وترحالهم، فهم ترياق لمن فيهم سموم الدنيا، حتى شغلتهم عن الآخرة.
فالأولياء، هم جلاء لمن رانت قلوبهم بصدأ الغفلة، وكان من توفيق الله تعالى أن جمعني بشيخي وأستاذي وقدوتي مولانا العارف بالله الشيخ أحمد رضوان وكان سبب اجتماعي به هو ابن عمي الشيخ أحمد عبد المالك، الذي جعله الله سبباً في ذلك وكان اجتماعي به رضي الله عنه وأرضاه عام 1947 م.
كنت أعجب من حديث هذا العبد الرباني ووداعة أخلاقه وحُسن سماته، ومن نور الله المنبعث من نظراته، كان إذا تكلم أوجز وأفاد، وإذا سُئل أبان في شرحه وزاد، يعجز أمامه المتنطعون ويستفيد منه الراغبون وسرعان ما يقتنع من حوله المتعنتون، فبه حسُنت عقيدتي وتطلعت إلى نفسي وكأنني أغط في نوم عميق وصحوت من غفلتي بمحبتي له وعدت إلى رُشدي وعرفت ربي. فهنيئاً لكل من اجتمع به واغترف من بحر علمه




نبذة عن حياة الشيخ أحمد رضوان


نسبه رضي الله عنه

هو السيد أحمد بن السيد محمد بن السيد أحمد بن السيد محمد بن السيد رضوان بن السيد يونس بن السيد محمد بن السيد عبد الله بن السيد سليمان بن السيد عامر الصغير بن السيد سليمان بن السيد الحسن بن السيد محمد بن السيد عامر الكبير بن السيد يس بن السيد رضوان بن السيد محمد بن السيد نافع بن السيد سرور بن السيد ملاك بن السيد محمد بن السيد عبد الرازق بن السيد شرف الدين بن السيد أحمد بن السيد على الهاشمي بن السيد شهاب الدين بن السيد أحمد بن السيد شرف الدين بن السيد عبد الرازق بن السيد قطب الوجود سيدي عبد القادر الجيلاني أبى صالح بن السيد موسى بن السيد عبد الله الجيلي بن السيد يحيى الزاهد بن السيد داوود بن السيد عبد الله المحضي بن السيد الحسن المثنى بن السيد الحسن بن سيدنا الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه.


مولده ونشأته وحياته

ولد رضي الله عنه بقرية البغدادي مركز الأقصر محافظة قنا جمهورية مصر العربية في الثامن والعشرين من ربيع الأول عام1313هـ الموافق السابع عشر من شهر سبتمبر 1895م.


والده رضي الله عنه:

نشأ رضي الله عنه في رحاب أسرة شريفة كريمة صالحة وفى أحضان والد عالم عارف تقي نقي ورع.وكان والده رضي الله عنه زاهداً في دنياه، منشغلاً بربه منقطعاً إليه، يعبد الله ويحب رسوله ويكرم أهل العلم والدين، هو مولانا العارف بالله الشيخ محمد رضوان رضي الله عنه. يقول مولانا العارف بالله الشيخ أحمد رضوان رضي الله عنه حاكياً عن والده:
كان والدي لا يُبقي لنا شيئاً للباكر وذلك عملاً بالسُنة النبوية، وما أدركت حاله ولا مثله، لأنه كان يحب الفقراء، وكان يفرح عندما يبيت وليس عنده شيء ويقول: الآن نحن في عداد الصالحين. كان له قبر في البيت يبيت فيه إلى الفجر وكان يقول لنفسه: (إذا أرجعتكِ للدنيا فاتق الله).
وقد أدركت أقواماً قدموا إلى بيتنا كانوا على حالة مع الله، وما سمعت والدي يذكر الدنيا قط ولا يلفظ باسمها في مجلس له وكان يقول: إن ذكر الدنيا على ألسنة الصالحين في المجلس فيه تشكيك لبعض الحاضرين في المجلس، فإن من كانت دنياه في قلبه حُجبت يديه عن الخير، واستثقل من عنده، فمقته الله. وكان إذا جاءته هدية، يقسمها على أصحابه ولا يزيد لنفسه شيئاً منها على أحدهم فيقولون له: لا فضل لك لأنك تقسم ما يرزقك به الله. فيقول: والله مالي من فضل في ذلك والفضل كله لله.

كان والدي رضي الله عنه إذا دُعي لطعام أخذ معه الخبز ويقول: إن معظم طعام أهل هذا الزمن فيه شبهة. وكان رضي الله إذا جاءت الدنيا قال هكذا وهكذا... فيصرفها في يومها. وكان لا ينام الليل، وكان يصلي في قبره فإذا جاء الفجر خرج منه وأذن للصلاة وصلى، وكان يسجد في السَحر ويقول في سجوده "يا رب هل أنا مثل ما يظن بي الناس"؟.
وكانت أمي تبكي لبكائه وكان يقول ذلك كل سَحر ونبكي جميعاً. وما رأيت والدي رضي الله عنه اغتاب أحداً، ولا سمعته يضحك، وكان مجلسه مجلس حُزن، ورأيته يبتسم عند خروج روحه فقط!!. وكان أقاربه يقولون له: لا شغل لك طوال الليل والنهار غير البكاء؟! فصبر على ما بدا منهم حتى ألان الله قلوبهم. وكان يقول لي: يا أحمد لا تكن لك شهية في العلم، فإنه وسيلة إليه، فإذا وصلت فاترك العلم. وكان يقول دائماًً: اللهم لا تجعل رزقنا على هذه البلاد التي نحن فيها فنجوع، واجعل رزقنا عليك أنت يا نعم المولى ويا نعم النصير أه.


نشأته رضي الله عنه:

يقول مولانا الشيخ أحمد رضوان رضي الله عنه:
"لقد نشأت لا أعرف إلا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا أستطيع أن أجامل أحداً أه."
فلقد نشأ مولانا الشيخ أحمد رضوان رضي الله عنه وقد عهد به والده إلى كتاب القرية فحفظ كتاب الله في صغره، وقرأ في صغره كتب الفقه والتوحيد على يد الشيخ حامد أحمد جبال، كان مالكي المذهب ولم يقف عند قراءته لكتب الإمام مالك رضي الله عنه بل قرأ كثيراً وبحث كثيراً في كُتب الأئمة الأربعة حتى صار عالماً نحريراً في هذه المذاهب كلها , وقد شهد له الجميع في صغره بذكاء واضح وبتعلق بجده رسول الله صلى الله عليه وسلم , فكان منذ صغره يتخذه قدوة وأسوة حتى شب على ذلك وترعرع، فلقد بدأ حياته رضي الله عنه بالطاعة لله ولرسوله واتباع النبي صلى الله عليه وسلم في قوله وفعله وحاله.

كان والده يوقظه قبل الفجر بساعة في السَحر، وهو أبرك الأوقات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم
{سُئل عن أي الأوقات أفضل في إجابة الدعاء فقال: كل الأوقات إلا أني رأيت عرش الرحمن يهتز في السَحر}. فيقول مولانا: كنت أصلي عشر ركعات... ثم أقرأ ورد السَحر لسيدي البكري، ثم أصلي الصبح، ثم أقرأ الحزب ثم ورد الستار لسيدي يحيي الباكوني.. ثم بعض الأوراد إلى أن تحل النافلة فأصلي الضُحى ثم أقضي بعض الشئون .. ثم أقرأ العلم
وأصلي الخمس في جماعة بالمسجد بالبغدادي.

وكان وردي في صغري سبعة آلاف مرة أصليها على النبي صلى الله عليه وسلم. ولقد رأيته صلى الله عليه وسلم وكان سني إحدى عشر سنة جالساً على كرسي بين السماء والأرض وأعطاني زجاجة بها لبن، وقال لي: اشرب! فشربت منها جزءاً واستيقظت فإذا بالزجاجة بيدي!! أه.

هذا، إلى جانب عمله بالزراعة طلباً للرزق حتى لا يكون عالة على أحد، فكان رضي الله عنه يعمل بالشادوف في أيام شدة الحرارة وهو صائم ذاكراً ومصلياً على النبي صلى الله عليه وسلم وفتح الله عليه بالعلم الرباني بفضله وكرمه وجوده، فكانت خلوته تسبيحاً وذكراً، وعمله عِبرة وعظةً، زاهداً في دنياه وكان لا يتعجل الرزق ولا يأبه بكثرته، فالكل عنده سواء ويكون رضي الله عنه أكثر فرحاً عندما لا يجد شيئاً في بيته، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم وحتى يكون مشاركاً للفقراء والمساكين الذين لا يجدون شيئاً، وكان رضي الله عنه يبيت الليلة والليلتين بالجوع ولا يسأل أحداً .


الشيخ وأهل بيته:

وكان يقول رضي الله عنه:
ووالله إنني أرفق غاية الرفق بأهل بيتي وأجبر بخاطرهم دائماً، حتى لا أُسأل عنهم يوم القيامة فقد ورد أن العبد يُسأل عن الكلمة الواحدة ثلاث مرات وهو يجتاز الصراط وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي}. وأعطي النقود لأهل بيتي وأقول هذا من عطاء الله ولكنه أجراه على يدي. وما رأيت أولادي يعصون الله أبداً وأنا وهم لا نعرف النوم بالليل قط، فهم يقومون لذكر الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والصالحون غرباء في بيوتهم، هذا وقد أرسلت ابني زين العابدين ذات مرة لوالدته وقلت له: قل لها تسامحني لأن القدر حبسني في البيت. فقد ألهمني الله هذه الأيام، أن قلبي لا يصلحه إلا الجلوس في الساحة مع الناس، وما رأيت بلداً يصلح حال قلبي فيها إذا سافرت إليها إلا المدينة المنورة أو مكة المكرمة والصالحون في كل عصر يتحملون الناس ولا يتأثرون، لرفقهم بهم، وإني أتحمل من يعتدي بالقول علي أو على أولادي، وأرد عليه باللين والحلم خوفاً من غضب الله عليه. قال الله تعالى يمدح عباده الصادقين: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} سورة الفرقان 63.


انتقاله رضي الله عنه إلى الرفيق الأعلى

لقد اشتد المرض في أخريات حياة مولانا الشيخ أحمد رضوان، كان آخر ما نطق به مولانا الشيخ قول {لا إله إلا الله، محمد رسول الله}. وبعدها أسلم الشيخ روحه إلى بارئها في يوم الأحد الثالث من ربيع الأول عام 1387ه الموافق 10 من يونيو عام 1967م، فتم تغسيله بحضور العلماء وقام بالصلاة عليه الشيخ محمد زكي إبراهيم رائد العشيرة المحمدية، وتم نقل الجسد الطاهر إلى مقره الأخير بالبغدادي عن طريق القطار وهناك تمت الصلاة عليه ثانية وقام بالصلاة عليه الشيخ أحمد عبد المالك بناء على وصيته رضي الله عنه في مقره الأخير في مسجد ساحته ثم دفن في مقامه المبارك في مشهد مهيب لم يشهد صعيد مصر مثله وقد نعته الصحف وحزن الأحباب لفراقه.


الولاية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي تكرم علينا وجعلنا مسلمين والصلاة والسلام على من أنزل عليه قوله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُون (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} سورة يونس 62: 64. لقد سألني سائل أن أتكلم عن الولاية والولي وما شروطه وما علامته فأحببت أن أتكلم لله بالله فأقول بعون الله مستعيناً به {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} سورة يونس 62.



الولاية: هي حصن من دخل فيه صار محفوظاً، لا يدنو منه شيطان وصار غنياً لا يحتاج إلى أحد من الخلق {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِين} سورة الأعراف 196 . فمن تولاه الله لا يحوجه إلى أحد من الناس ويرزقه الله من غير سبب وييسر له كل أمر، فهو سائر إلى ربه أينما كان لا يدنو منه الشيطان، فهو ينصر الله وينصره الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} سورة محمد 7. والتابع (للنبي) صلى الله عليه وسلم يدخل في هذا لأن كل تابع يدخل مع متبوعه
{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} سورة يوسف 108.
والتابع للنبي مندرج مع النبي أينما ذهب، وأنتم تقرؤون {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} سورة النحل 97 وما أصاب المسلمين من بلاء إلا لنقص الإيمان.
فهم يحومون في الدنيا، قائمين مع الخلق، لا يشهدون حق الحق.
قالوا من أتى عبداً يسأله الدنيا، نادى الملك {إن عبدي أراد غيري} فمن فعل ذلك لا يكون في جملة الأولياء.
والولاية هي نور يُقذف في القلب يكشف للعبد به عن غامض سر القرآن وغامض سر الشريعة والولاية ليست مجرد ذكر وقيام ليل، إنما هي تأدب بأدب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلق بأخلاقه وعمل بما جاء به من عند ربه


أنواع الولاية

1- ولاية وهبية
2- ولاية كسبية

الولاية الوهبية:
هي عطاء من الله وهبة منه {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} الحج 75. وهذه الولاية هي اصطفاء خالص من الله لأهلها وقال تعالى في القرآن الكريم {وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ}. سورة ص 47.

الولاية الكسبية:
هي أن يرزق الله العبد الاستقامة، والعمل بالمأمورات وتجنب المنهيات بإخلاصٍ وذلٍ لله وانكسار والولاية الوهبية والولاية الكسبية كلاهما كمال وكمال وتفضل وتفضل لأنه المتفضل على عبده بالطاعة. {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} سورة الضحى 5. فإنها للنبي صلى الله عليه وسلم وللأمة أيضاً. وإذا اتقى العبد الله حق تقاته، فأنه لا يطلب عوضاً بل يكون هواه موافقاً لمرضاة ربه بلا عناء جهاد واجتهاد حيث تألف النفس ذلك. {لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به} رواه الحكم وأبو نصر السجزي في الإبانة وقال حسن غريب والخطيب عن ابن عمرو رضي الله عنه .والولاية الكسبية للحديث القدسي {ومن أتاني يمشي أتيته هرولة} أخرجه ابن ماجه في باب فضل العمل فمتى صححت العقد مع الله زادك الله من فضله، وعلمك ورقاك، فإذا اجتهدت فيما أمرك منحك الوهبية، فمن وحده فتح له باب العطايا، ومن قال لا إله إلا الله ونفى الشرك وعلم أن الكل عبيده وعلم أن الله واحد عند ذلك يهب الله له القُرب ويُدنيه من حضرته. إن لله عباداً إذا وحدوه أعطاهم مالا عين رأت ولا أذن سمعت من المواهب والتجليات في هذه الدار.


الولاية قد تكون بشيخ وبغير شيخ


ولقد اختار القوم العارف الرباني الذي يرشد السالكين ويربي المريدين، فهو باب الوصول إلى أعلى درجات القُرب والقبول قال تعالى: {مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا} سورة الكهف 17. فالمرشد أساس في طريق الله. قال بعض الصالحين:
لا يكتفي بالوصفِ في المسيرِ*** فالوصفُ لا يُغني عن الخبيرِ
جابَ طريقَ الحقِ ثم عادَ *** ليُخبر القومَ بما استفاد

على أن الولاية من غير شيخ تكون بتوفيق الله لعباده في أداء العبادات والانتهاء عند المنهيات ومحبة الخير والصدقات
والفهم في كتاب الله وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم والصالحين وهي الولاية العامة. وأعظم درجة في الولاية: هي درجة العبودية الحقة، أي أن العبد يكون تام الطاعة لله سبحانه وتعالى. لذلك قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} سورة الإسراء 1. فدرجة العبودية أشرف درجة عند الله. {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} سورة يونس 62.
فالأولياء أضافهم لنفسه تشريفاً، لأنهم يستحقون هذا التشريف وهذا الثناء وهذه البشرى التي بشر بها الحق أولياءه في الدنيا والآخرة والجنة، لأنهم قوم تركوا كل ما نهى الله عنه، وقاموا بأوامره خير قيام ولا يُسمى الولي عند الله ولياً إلا إذا قام بأمر الله وانتهى عما نهاه عنده، فمن فعل بعض المنهي عنه فليس بولي لأن الولي يدخل في آية
{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً} سورة الإسراء 65. {عِبَادِي} نسبة تشريف. وقد سُئل (النبي) صلى الله عليه وسلم عن الولي فقال: (من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان). رواه أبو داود والضياء عن أبي أُمامة رضي الله عنه، فإنما هي ولاية الله ولا تنال بغير ذلك.

الولي

هو الذي إذا رأيته يذكر الله وليس عنده غفلة ولا فضول ولا ما يخالف الأدب مع الحق. فتراه بين يدي الله، محفوظ اللسان والفرج والسمع، فلا يقول غيبة ولا يسمع منكراً {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} سورة الفرقان 72. أي قالوا قولاً كريماً، يصلحون حال من يمرون عليهم {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} سورة المؤمنون 3. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .{من حفظ ما بين لحييه ورجليه دخل الجنة}. رواه الحاكم والبيهقي.

الولي: عبدٌ حُفظت بشريته عن المخالفات، وصار قلبه خالياً من المكونات، لا يعرف غير ربه ولا يطلب كرامة ولا خرق
عادة قائم بالحق للحق، منزه عن السوى، مُعرض عن الغير، رحيم بخلق الله، عفو صفوح يلين قلبه لكل مسلم انفرد لله بالله، لا يقف مع عرش وفرش، ينفر من كل أمر لا يدنيه من حضرة الله يوم القيامة قوي في إيمانه فلا تأخذه في الله لومة لائمٍ، وصار في المعية الكبرى ليس ببخيل، سهل صعب. والولي يحكم على خياله في الليل فلا يجعله يرى رؤيا ليست صالحة، ولا ينال هذه المرتبة إلا الصادقون. قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} سورة التوبة 119.



منزلة الأولياء

وأهل الولاية هم الذين تخرق لهم العادات والنواميس، أولئك {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} سورة يونس 64. {لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ} سورة الزمر 34.
ولقد سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن البشرى فقال: {هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له} أخرجه البخاري والنسائي. وذلك عند نزول آية البشرى المتقدمة وقيل أن البشرى عند موت المؤمن، لأنه إذا حضرته الوفاة جاءته الملائكة تقول له: يا عبد الله أبشر وفي الحديث القدسي {ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه} أخرجه البخاري. وفي الحديث الشريف {إن من عباد الله من لو اقسم على الله لأبره} متفق عليه. أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة. {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} سورة يونس62. أراد أن يبين الله منزلة الأولياء فقال {لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} لا يترك بهم بلاء في هذه الدار يمس إيمانهم أو إسلامهم أو عقائدهم.. لا خوف عليهم في هذه الدار ولا في القبر ولا عند القيامة {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} لا يحزنون على خلفهم فإن الملائكة تقول له عند الموت {يا عبد الله، إن الله يبشرك بالجنة ولا تحزن على خلفك}. فإذا خفت أيها الإنسان على ذريتك فأتق الله، يحفظهم من بعدك، فإن رسولكم العظيم مات والده وهو في بطن أمه، وماتت أمه، ومات جده فكفله الحق وأدبه الحق ورباه الحق وعلمه الحق
{أدبني ربي فأحسن تأديبي} رواه ابن السمعان عن ابن مسعود رضي الله عنه.


اختفاء الأولياء بين الخلق

يُخفي الله الأولياء رحمة بأهل البلاد، فلو أظهرهم ولم يُطاعوا حدث المقت لأهل البلد وهذا من رحمة الله بخلقه لا يصل إليهم من نظروا إليه بعيون قلوبهم ولا ينظرون إلا بإذنه. كما قال ابن عباد: من رحمة الله أنه أخفى بعض الأولياء عن العامة رحمة بهم، وبعض العارفين لا يعرفهم أحد وهذا من رحمة الله حتى يظنوا في بعضهم الخير، فمن رأى عارفاً بالله على أنه شخص عادي سقط من عين الله، لأنه صاحب خصوصية، ومن أجل هذا احتجب كثير منهم رحمة بالخلق. فأولياء الله كثيرون ولكن يخفيهم الله خوفاً على الناس من الاعتراض عليهم فينالهم المقت من ربهم، لعدم طاعتهم وإعراضهم وهذا من رحمة الله بخلقه، وهناك أولياء لا يظهرهم الله إلا بعد موتهم وآخرون يظهرون في الدنيا وهناك من لا يظهرهم مطلقاً وإن الله يغضب لغضبهم ويفرح لفرحهم.


الجذب

الجذب على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: قسم تصنُعي وصاحبه يتصنع الجذب، هروباً من طلب المعيشة ومسئولياتها ليستريح ويتواكل وهذا من الخطأ العظيم. وقد قدم وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا أن عندهم رجلاً يقوم الليل والنهار فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يعوله؟ قالوا: أخوه قال: أخوه أعبد منه ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.

القسم الثاني: هو جذب خيالي، وهو جذب تكون فيه الأفكار التي ترد على العبد من هموم الدنيا بحيث تحدث اضطرابا في قلبه فيعتريه حال الجذب.

القسم الثالث: هو الجذب الحقيقي، وهو اختطاف رباني يحدث من غير تكلف ولا عناء ولا مشقة وهذا القسم نوعان:

جذب منقطع
جذب مطبق
فصاحب الجذب المنقطع يغيب ويفيق أما صاحب الجذب المطبق فلا يفيق ولا كلام لنا عن الجذب الذي لا يفيق صاحبه إنما نتكلم عن الذي يفيق منه صاحبه، فإن الذي يفيق، يؤمر بإتباع ما جاءت به الشريعة.
فالمجاذيب قوم أخذهم الله من أنفسهم، فليسوا من الناس، وهم ناجون، لكنهم لا ينفعون الناس لأن الذي ينفع في طريق الله هم العلماء بربهم، العاملون بالكتاب والسنة، الجامعون للحقيقة والشريعة، فإذا جاءك أحدهم (المجاذيب) فأعطه ما يطلب، ولكن إذا طلباً نقوداً فلا تعطه، لأنها تستوي عنده مع التراب ولبس الملابس عنده والعري سواء ولا تأخذ عن المجاذيب، ولا تطلب الدعاء منهم، لأنهم يدعون عليك بالفقر والمرض لأنهم يحبون هاتين الصفتين للمسلمين جميعاً، لأن الله يدخل بهما المسلمين الجنة وإذا أعطاك ليمونة، فلا تأخذها، فإنها بلاء ومرض، فلا تلبسوا ثيابهم ولا تأكلوا معهم. ومن المجاذيب من يمشي من جهة إلى جهة، ومن يمشي دائماً ومنهم من يبقى مكانه وبعد فترة الجذب يصحو المجذوب، أما في فترة الجذب فيكون عقله غير ثابت.


البُله

هم العلماء بالله وبالآخرة، الجهلاء بأمور الدنيا والمعاملات وأهل الجنة قليل من الناس، وأهل الحضرة أقل كثيراً
قال صلى الله عليه وسلم: {دخلت الجنة فإذا أكثر أهلها البله} ابن شاهين في الأفراد وابن عساكر عن جابر رضي الله عنه. قال تعالى {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} فالله سبحانه وتعالى قسم العقول كما قسم الأرزاق، والقلوب محل أسرار الله ويلزم المتعلق بالله أمران:
الأول: ألا يوقف نفسه للإجابات.
الثاني: أن يترك نفسه لله يداوم على الحضور مع الله حتى يفتح الله عليه، فإن شاء أنطقه بالعلم وإن شاء أسكته.


ابتلاء الأولياء دليل على حب الله

الولي لابد له وأن يمر بالبلايا، فليست الولاية أمراً هيناً، فإذا أراد الله أن يتخذ ولياً صب عليه البلايا ورماه أهله بالغش والفجور. ولقد أقامني الله في هذا الاختبار ثلاثين عاماً، زاد فيه البلاء واشتد وكرهني أهل البلد فو الله الذي لا إله غيره ما غضبت على أحد قط، وما دعوت عليهم وكنت أدعو لهم بالليل أن يلين الله قلوبهم ويهديهم، ثم شاء الله أن يسيرني في البلاء، وكنت أمر حيث شاء الله، وكان بي أمر مزعج في الداخل يعتقدون معه أني مجذوب، فوالله ما كنت مجذوباً قط ولكن هكذا يقول عني المغفلون ولكنها اختبارات الله وكان الحق من فضله علي، يجعلني متقلباً في الأحوال لينتفع أقواماً ويضل أقواماً، وصرت في البلاء .وكنت آتي بالليل إلى البلد، ليس خوفاً منهم ولكن رحمة بهم، وكانت لدي ثقة بالله لا أخشى سواه، وكنت قليل البسط، كثير القبض، والحيرة موجودة، إنما الله يريد أن يجمع بعض الناس علي ويفرق بعض. غريب أمر الولي عند الناس، لأنهم لم يتعلموا على رجل صالح، يعرفهم أحوال القوم، ولقد اختلفوا في اختلافا كثيراً، كان البعض يتمنى موتي، وكان بعضهم لا يرى في الخير، وكان ذلك يسرني كثيراً، وبعضهم عطف الله قلبه علي فأشكره وأشكره. ولقد أقامني الله في هذه الأمور خمسة وأربعون عاماً.
وبعد ذلك لم يطلع على قلبي ووجد فيه غيره، وهكذا سيرني الله بألطافه إلى أن جمعني بخاصة خاصة أحبابه وإذا أراد الله أن يتخذ ولياً ابتلاه بأنواع كثيرة من البلايا منها:
أنه يؤلب عليه أهل بيته وعشيرته وجيرانه، والصالح كالجبل لا يتزحزح يقول (النبي) صلى الله عليه وسلم: {أشد الناسِ بلاءاً الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل} رواه الطبراني. والفقر والغني عندهم سواء، والمرض والصحة عندهم سواء، لا يفرحون بغير ربهم قلوبهم مصب لتجليات الله، كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (الفقر والغنى عندي سواء) لأنه كان على استعداد للآخرة.
والولي على استعداد للآخرة، ولكن الله يُخفي أعمالهم على أهل البطالة رحمة بعبادة فإذا عُرف الولي ولم يُطع نزل البلاء على من يعصيه. واللهِ إني لا أسأله صحة ولا عافية وقد قال ابن أبي الدنيا نزل بي أمر، فرفعت رأسي وقلت:
(تلذ لي الآلام إذ أنت مسقمي)
فنوديت:
{صدقت يا ابن أبي الدنيا}

واللهِ إني أحبه لبلاياه، واللهِ إن أهل وده لو أنه قطعهم إرباً إرباً ما ازدادوا فيه إلا حباً. قال تعالى {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} سورة السجدة 24.وإن العالِم ما لم يكن راضياً بقضاء الله وبلائه له فلا خير فيه
لقد سُئل الفضيل ماذا تشتهي؟!
قال: أشتهي مرضاً بلا عواد
واللهِ ما رأيت محباً لله صحيح الجسم في حياتي أبداً، كلما زاد البلاء أحب الله أكثر، وذلك علامة الأولياء الذين يحبهم الله ويحبونه، فإن البلاء لا يفارق كل من أحبه الله. وإذا صح الإيمان وقويت الروح وتخلل الأعضاء الرضا، استعذب العبد البلاء وأحبه.

للرسل حالتان إزاء الشدائد

عدم السؤال: ومن ذلك ما كان من سيدنا (إبراهيم) عليه السلام، عندما ألقي في النار فإنه لم يسأل الله و(رسولنا) صلى الله عليه وسلم وهو في غار حراء لم يسأل الله، وكان يضطهد اضطهادا شديداً وهو في مكة ولكنه لم يخرج منها فراراً، وقد قال الله في كتابه العزيز: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} سورة القلم 48.
وما اتخذ الله رسولاً ولا ولياً إلا وأصيب في بلده، وإن عجل أصيب بالعطب.
و(الرسول) صلى الله عليه وسلم، كان يسأل ربه في مواطن أخرى ويقول:
{أنت رب المستضعفين} حيث كان الكفار يجرون خلفه ويضربونه بالحجارة، وكان صلى الله عليه وسلم يسقط ويقوم، ثم يقع ويقوم وكان يقول: {إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي}.
وهكذا الأولياء فإنهم تارة لا يسألون الله، وذلك إذا غلب عليهم الحال في مقام (الجمع) وتارة يسألونه إذا كانوا في مقام
(الفرق)، وهم يضطهدون كالأنبياء ويتألب عليهم أهالي بلادهم ويناوئهم العلماء، فتلك سنة الله في خلقه. واللهِ إنه لم يضطهد أحد كالنبي صلى الله عليه وسلم، وإن الولي يضطهد إلى أن يثبت ويطيب له المقام.
واللهِ ما تحرك قلبي لما يصيبني، وما تحركت روحي لمرض، كلما زاد مرضي ازددت فرحاً، والذي يبكيني أنني أخاف ألا أراه وكم أرى فعله جميلاً، أراحني جل شأنه وقد كنت في قلق من قبل أربعين عاماً وقد شرح صدري وكفاني بفضله، وسلب مني كل اختيار، واللهِ ما رأيت لي شيئاً معه وهذه عبودية لا ولاية، كيف نوحده ولا نرضى بما يريد؟! إنه معنا وهو أرحم الراحمين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أشد الناسِ بلاءاً الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل} رواه الطبراني. فبعد هذا الحديث ليس لأحد أن يتكلم أو أن يرفع رأسه.

لقد أدركت ناساً من أهل الحضرة في الشتاء وكانوا يبدون وكأنهم في أشد الحر ولقد أدركت ناساً ينامون في الظهيرة في الشمس صيفاً وعلى الرمل الحار، وإلا فلا لا يأتيهم النعاس وإنما غفوات في النهار ويقومون مفزوعين، أولئك ليس لهم في العادة نصيب والله لا يريد أن ينومهم. وأدركت ناساً إن ناموا يمرضون وإن أكلوا يتعبون، وقد مرت على أقوام أطوار غريبة في سيرهم إلى الله.

كان والدي رضي الله عنه الشيخ محمد رضوان في الأربعة والعشرين ساعة لا يتناول إلا مد يد واحدة، ولا يتناول غيرها
حتى لقي الله، وما رأيته نام الليل قط، وما رأيت أحد عاب أحداً في مجلسه قط، وما رأيته ضحك قط، وما رأيته صافح عمدة ولا سار في الطريق الذي يؤدي إلى منازلهم قط، ورأيته يبتسم عند خروج روحه فقط.

وهناك قوم إذا جاء الليل فرحوا به، وقاموا بين يدي الله، يلقون ظهورهم على الفرش ولا ينامون قط، ويتأوهون في الأسماء ويبكون كثيراً، وكانوا ينامون وهم جلوس، خفقات يقومون بعدها مفزوعين. وإن الله سبحانه وتعالى يجرع عبده المؤمن من مرارة الدنيا محبة فيه، كما تجرع الأم ولدها الصبر لأجل العافية.

تلذ لي الآلام إذ أنت مسقمي *** وإن تمتحني فهي عندي صنائعُ

والله سبحانه وتعالى يبتلي أوليائه عادة بالأمراض وغيرها قال تعالى {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين َ} سورة البقرة 155. قال رسول الله) صلى الله عليه وسلم:
{أشد الناسِ بلاءاً الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل} رواه الطبراني.
ولقد مر بسيدنا (أيوب) عليه السلام رجلان وقالا:
{لو كان رسولاً ما أبتلاه الله} فحزن على كفرهم هذا وقال الله على لسانه {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} سورة الأنبياء 83: 84. وأولياء الله يستعذبون البلاء في الله والموت في سبيله.
وقال تعالى: {لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ} سورة الزمر 34 .
وقال تعالى: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} سورة الأنبياء 103. ألا وهو الموت. وإن الله يبتلي المؤمنين دائماً، ومن يصبر لقضاء الله يرفع الله شأنه. يقول الله تعالى {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} سورة محمد 31. ويقول {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} سورة العنكبوت 2. فالله لا يترك العبد المؤمن من غير اختبار ليميز الله الصادق من الكاذب ثم يرفع الصادقين إلى أعلى الدرجات، لذلك قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} سورة التوبة 119. كما أن الله سبحانه وتعالى يبتلي عباده الصالحين
لئلا تساكن قلوبهم هذه الدار ليكونوا في الحضور والرجاء لذلك قال الشعراني:
لزمت الرجاء طول عمري. فقيل له: كيف ذلك؟! فقال: لأني كنت في الحضور.
فكلما زاد البلاء زاد الترقي، فقلوبهم تنفر في هذه الدار.
ولذلك قال الإمام (مالك) في الأولياء:
{لولا الأجل المحتوم لطارت أرواحهم شوقاً إلى الله، فكلما أرادت أرواحهم أن تطير حبسها الأجل المحتوم، وكلما كثر عليهم البلاء رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يقظة فيلازمون الأدب والشكر}. والصالحون مثل حمار الشيخ كل ما يوضع عليه يحمله، تراب - ملح - سكر، لا يتأثرون ولا يغضبوا لأنهم استعذبوا البلاء.


سمات الصالحين

الأدب والتواضع من سمات العلماء بالله، والكِبر ليس من صفاتهم، والعزة بغير الله حرام. والكِبر لابد وأن يكون له أثر مُخرب في الجسم والروح.
وهناك علماء من قبائل معروفة لا ينفقون لأن كلاً منهم متعالٍ على أخيه، معتز بقبيلته وسمعته، لذلك يهتم كل منهم بتجهيل الآخر، لا بالعلم، والذي يريد أن ينفع الناس عليه أن يترك نفسه لله. سيدنا (يونس) عليه السلام لما ذهب مغاضباً ابتلعه الحوت {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} سورة الحج 14. وكم نصحنا الناس ولكن ربنا يُنسيهم النصيحة ليلاقوا ما قدره الله لهم. إن الرجل الصالح الناجي هو الذي يسعه بيته، ويبكي على خطيئته كما قال (النبي) صلى الله عليه وسلم وهو الذي يستغفر ربه ولا يجلس مع إخوان السوء ولا يرى لنفسه فضلاً على أحد فإن الفضل كله لله.


فضل الجلوس مع الصالحين

- إذا أراد الله بعبده خيراً قيض له حالاً يسوقه إلى عارف بالله، والحمد لله فإن العارفين به كثيرون في هذه الدنيا، فمتى اتصل العبد بأحد العارفين عرف حاله وما يحتاج إليه في سيره إلى الله وأعطاه الدواء الناجح لشفاء روحه وزوده بكل ما يحتاجه في طريق الله حتى يصل إلى ربه، وبذلك يتحقق له الفوز في الدنيا والآخرة ويكون نبراساً للهدى.
قال بعض الصالحين في ذلك:
أملاك ربي لهم شيخ يعلمهم *** فكيف لا تطلبون الشيخ بالهمم
أبناء آدم فيهم سر والدهم *** كنوز حق إذا عادوا لبدنهم
الكون أجمعه يسعى لخدمتهم *** لنفحة القدس تحقيقاً لفضلهمِ
فأبحث عن العارف الممنوح فهو *** هدى به الفتوح لكنز فيك مختتم

- وقال بعضهم: (خدمة الرجال، سبب الوصالِ إلى مولى الموالي).
فإذا أراد الله بعبدٍ خيراً وفقه لخدمة أولياءه، وإذا أراد الله بعبدٍ شراً، حال بينه وبين الأولياء فلم يرزقه حبهم ولا فهم أحوالهم وربما اعترض عليهم أو احتقرهم فيموت على غير دين الإسلام فإن الولي يبلغ شأن يكون الله فيه هو سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي بها يبطش، ورجله التي بها يمشي، فمن اقترب من ولي هذه حاله فقد اقترب من الله ومن خدمه فقد خدم الله في الحقيقة ومن أبغضه فقد أبغض الله.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} سورة الفتح 10.

فابحثوا عن العارفين قبل موتكم، والتزموا غاية الأدب معهم ولا ترفعوا أصواتكم في مجلسهم ولا تتكلموا حتى يؤذن لكم، وخذوا عنهم أمور دينكم وكيفية حياتكم لتكونوا من المفلحين، وبادروا بذلك قبل أن يدرككم الموت فإنه يأتي على حين فجأة، فكم رأينا أقواماً جمعوا مواد بناء ليقيموا داراً فاجأهم الموت قبل أن يبنونها. وكم من زارع زرع زرعاً ومات قبل أن يحصده، وقد جعل الله لنا في ذلك آيات لنكون على استعداد للقائه، فالموت يأتينا بغتة وكفى به واعظاً لنا. {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} سورة الرحمن 26: 27.

- وقف رجل على بشر الحافي في ساعة يأخذ عنه فقال بشر: (اللهم لا تطل وقوفه يوم القيامة للحساب، وأطل وقوفه للنظر إلى وجهك الكريم) فنودي (قد قبلناه من أجلك).

- إن الله بلغ من رحمته وحنانه وعطفه أن يميل الأرواح إلى المؤمنين الصالحين. فإذا أحب عبدٌ عارفاً أو ولياً من أولياء الله، ألقى الله في قلب العارف حناناً وعطفاً على جميع معارفه، فقام لربه يدعو لمن أحبوه. والله لا يرد دعاء عبدٍ آمن وعمل الصالحات. وإنا ولله الحمد بين ظهرانينا كثير من العارفين وكثير من أهل حضرته، فإذا أحب الإنسان عارفاً، نظر الحق في قلب هذا العارف فأدخل مريده في قلب هذا العارف وكفالته ومنزلته في الجنة.
إن الله لا يريد أن يُحزن هذا العارف إذا جاءت القيامة.

قال الحق لأوليائه: سلوني فلا أمنع لكم سؤلاً.
يقولون: ربنا لنا أحباب في الدنيا.
فيقول الله: إنهم خلفوا
فيقولون: أعطهم من حسناتنا.
فيقول الله: جدتم بحسناتكم فلأجودن عليهم وأنزلهم منازلكم.

فليس السفر إلى العارفين بِضائع، فو الله الذي لا إله غيره، توضع الكراسي لأهل حضرة الله فلا يجلسون عليها ويقولون لنا أحباب أحبونا. فيقول لهم الله: لقد قصروا.
فيقولون: يا رب لا تُخزنا.
فبقول: وعزتي وجلالي لأكشفن لهم عن وجهي وأريحنهم في جنتي.

اللهم أرزقنا السفر إلى الصالحين ومحبة الصالحين وأسأل الله لي ولكم ولكل زائر خير الدنيا والآخرة.

- لابد للعبد من مرشد واصل إلى الله. لذلك قال الله تعالى {مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا} سورة الكهف 17. وقال (النبي) صلى الله عليه وسلم: {من مات وليس في عنقه بيعة إمام، مات ميتة الجاهلية} رواه الإمام أحمد في مسنده والطبراني في الكبير.
قال الله تعالى {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة البقرة 189.

قال أحد الصالحين:
إذا ما أتيت الأمر من غير بابه *** ضللت وإن تدخل من الباب تهتدي


وقال الله تعالى في الأشقياء:
{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} سورة الأنعام 94.
وقال {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} سورة الشعراء 89.
وهو قلب الإمام الشفيع سواء كان قلب الشفيع الأعظم أو قلب أي عارف بالله.
ولقد قال الله في كتابه العزيز:
{يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً}. سورة الإسراء 71.
وقال: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} سورة التحريم 8.

وكل خير يأتي للعباد فمن طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كتب الله التوفيق لعبد من عباده ساقه إلى عارف من أهل حضرته تعالى، لأنه مشكاة من نور النبي صلى الله عليه وسلم ومظهراً لتجلياته سبحانه وتعالى. فمن رزقه الله حب العارف بالله وإكباره ورؤيته المثل الأعلى للوراثة المحمدية فيه، ومتى قواه الله على إتباعه ومجاهدة نفسه في هذا السبيل، حتى يقطع معه الطريق إلى الله، فينهل من مناهل العارفين والأنبياء والصديقين ويترقى إلى مرتبة حق اليقين، وفي ذلك يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} سورة الأنعام 91.

- فعليكم يا أخواني بالجلوس مع العارفين بالله فإنهم يفيضون على جلسائهم من فضل الله، الذي يرزقهم به في المجلس، ويلزم التسليم لهم فيما ينطقون به فإنه من مواهب الله، حيث يجلي عليهم آياته، ويوقفهم على معانٍ عظيمة لهذه الآيات، وهم يسلمون بما يقوله المفسرون لكتاب الله الكريم والمعاني الجديدة هي خاصة بأهل حضرة الله وتدخل في معنى:
{فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} سورة الكهف65.

ولأجل نُبل هذه العلوم اللدنية أمر الله سيدنا موسى عليه السلام بالتتلمذ على يد الخضر عليه السلام ليجمع الله بين علم الوحي والمكالمة الإلهية وبين العلم الذي يفاض على القلوب. وتلك المواهب اللدنية، من لم يذقها لم يدخل حضرة الأنس
(اللهم أذقنا ذلك قبل موتنا يا كريم).
وإذا فتح الله على العبد بولاية، فعليه ألا يسدها بنفسه، أي بالوقوف مع نفسه ومع العطية دون المُعطي وكم رُد عبدٌ عن الولاية لهفوة قلبية.


أدب الجلوس مع الصالحين

يجب التزام منتهى الأدب في الدخول والجلوس عند الأولياء، والخروج من مجالسهم ومصاحبتهم. ويحرم الدخول على الولي أو الخروج من عنده إلا بإذن سابق. قال الله تعالى في كتابه الكريم {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} سورة النور 62. ذلك لأنهم فاتهم حظ عظيم بمفارقتهم مجلس النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك الأمر في مجالس الصالحين، فيجب الاستئذان بالقلب أو اللسان.

لقد سُئل أحد الصالحين:
بما نُلت الصديقية؟!
فقال: كنت في مجلس أحد العارفين فحدث عندي حصر بول، فلم أقم، وأمسكت هذا الحصر فنوديت:
{أعطيناك الصديقية لتأدبك مع عارفنا وعدم قيامك من المجلس}.

ولقد حدث لي حصر بول وأنا في سن الرابعة عشر، وكنت متعلقاً بالحضرة فمضيت إلى الجبل لأفك هذا الحصر، فوجدت كل شيء يسبح لله الأشجار والحجارة والطوب والرمل، ومكثت على ذلك مدة كبيرة، حتى سألت رفعه عني فرُفع وهذا جعلني على علم بحال أهل الفناء، ولولا أن الله أصلح الأمر، لما استطعت قضاء حاجتي. ولولا أن الله يزوي ذلك عن أولياءه لما استطاعوا قضاء حاجتهم.
إن الله هو الوهاب ولا نهاية لمواهبه سبحانه وتعالى.

- فالواجب على المؤمنين أن يحسنوا الجلوس مع الصالحين حتى يفتح الله عليهم. ويحدث كثيراً أن يمكث بعض الناس مع العارفين سنين ولا يُفتح عليهم، ويكون الحرمان من الفتح بسبب عدم معرفة أدب الجلوس والصحبة مع الصالحين. كان سيدنا (أبو بكر الصديق) رضي الله عنه يقول:
والله لأستأذن يا رسول الله. {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} سورة النساء 69.
وقال (النبي) صلى الله عليه وسلم: {أدبني ربي فأحسن تأديبي} رواه السمعان عن ابن مسعود.
وقال الله تعالى تعليماً له ولنا:
{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} سورة الكهف 28.
فمن صلح حاله وكمُل أدبه في هذه الدار، نال الفلاح والنجاح ونجا في الآخرة واجتاز الصراط إلى الجنة. فلا تنتفع بالعارفين إلا بعد أن تستأذن في الدخول عليهم.
لا كما يفعل أهل هذا الزمان، يهاجمون أهل حضرة الله من غير أدب، ويدخلون من غير إذن لجهلهم بالله وبأهل حضرته، ومن فعل هذا حُرم بركة الله وأهل فضله. والقرآن الكريم يشير لهذا في آية {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} سورة الحجرات 4.

والتابعون للنبي صلى الله عليه وسلم لهم نصيب من ذلك، فلا يجوز لأحد أن يدخل على عارف من غير إذن فيُصاب ببلاء في الدنيا والآخرة، وقد ضل الكثير في هذا الزمان، وهذا لقلة أدبهم مع الله تعالى، تراهم يتكاثرون على الصالحين من غير أدب، فحُرموا بركتهم والعياذ بالله. والصالحون كثيرون والأولياء كثيرون، ولكن ضلت القلوب وانعكست على البصائر لفجورهم مع الله تعالى، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وقد فسدت الأرواح والقلوب في زماننا هذا وجهلوا حق الله تعالى وحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحق الصالحين.

- فإذا دخلت على أحد الصالحين فلا تقل له: كيف حالك وصحتك؟! فهذا بينه وبين ربه، فكل ما يعمله الله للعارف جميل يُستحب لديه. فلقد طرد أحد الصالحين شخصاً سأله عن صحته، وأمر بأن لا يدخل عليه بعد ذلك. لأنه إن كان مريضاً، وقال للسائل {أنا مريض} فإنه بذلك يكون قد شكا الله، وإن قال غير ذلك كذب وأهل حضرة الله لا يكذبون، فالكذاب لا يدخل حضرة الله.
فالعارف يقول، أتركوني لربي، فهو أرحم بي من نفسي بنفسي، وأنا راضٍ به يفعل بي ما يشاء. كما أنه لو مد الإنسان يده من غير أدب، لسقط من عين الله تعالى ولو كان عارفاً فتعلموا الأدب.

واللهِ لولاه ما سلمت على أحد نظراً لغفلته عن الله، مد يدك مسلماً لله، أنظر للنعم في الكف، تعلموا المراقبة تعلموا الحضور معه، واللهِ إنه ليحزُنني أن أرى الجليس غير العاقل.
لا ترضوا نفوسكم، لا تخشوا أنفسكم، أنظروا للخليل حاكياً عن سيده: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} سورة الشعراء 78: 83.

هذا هو الأدب مع كونه أبا الصالحين، نسي خلته ونسي عصمته. ولقد اختص الله نبينا صلى الله عليه وسلم بخصوصيات، فقد طلب سيدنا (موسى) النظر. وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد دُعي إلى حضرته، وشتان بين الطالب والمطلوب، فالتابع يلحق بالمتبوع. اللهم أحيينا على دينه، وأحيينا على سنته، وأمدنا من أنواره واشفنا ببركته.

- وهناك قوم يزرون الصالحين ولا ينتفعون منهم أبداً لقلة أدبهم واعوجاج باطنهم واعوجاج ألسنتهم. فنسأل الله السلامة في هذه الدار التي كثر فيها الاعوجاج والطمس واللؤم والأمراض القلبية الأخرى.
وإني انصح الأخوان بطاعة الله وعبادته والأدب مع أهله، ولا أطلب منهم أن يكونوا مجاذيب، أو أن يجلسوا مع المجاذيب أو يصاحبوهم وأطلب منهم عدم الاعتراض، وأن يكونوا مع الله حيثما أمرهم.

وإني واللهِ ما زارني ولي لله إلا تواضعت له بقلبي، وتتلمذت عليه، فكل ولي عنده بركة يأخذها منه بقدره ويعلم أنه آنية لله، فيتأدب عن الأخذ منها أدباً مع الله تعالى صاحب الآنية. وأنا مذهبي، أني لا أرفع رأسي أبداً وإن جاءتني امرأة من الصالحات، أكون تلميذاً لها.
وأنا تربيت من الصغر مع المجاذيب، وفي الكبر يلزمني الحال أن أسوق الناس إلى الله، فأنحني جانباً من المجاذيب.

وكان والدي رحمه الله يقول:
من علامات حرمان الجالس نومه في مجلس الصالحين.

- وواللهِ لقد جلست في مجلس الله أربعة عشر ليلة، ما نمت وما تثاءبت وكان في هذا المجلس أولياء وعارفون وصديقون، وهم أواني الله، ينطقون على مراد الله بالحق والصدق، وبذلك يحصل الانتفاع منهم، والله يثقل عليهم البلايا في هذه الدار رحمة بالعاصين، فكل من تقرب إليهم، وكل من حمل في بلائهم ونوائبهم، فهو ناجٍ ومغفور له، وهم يقولون: فيك نحمل ومنك نطيق ولا تشغلهم بلاياهم وأمراضهم عن الله أبداً.

- وسيدنا (زكريا) ما ناداه عندما شقه المنشار نصفين، ولكن لما وصل المنشار إلى فمه عض على شفتيه، فقال له جبريل {لا تتأوه يا زكريا إن الله معك}.

- فأعلم يا أخي إذا رأيت أحد الصالحين أنه في حضرة الأنس، لا يضره شيء، ولا يفيده الدواء، فلو جاءت جميع الأدوية لعارف مريض ما يُشفى أبداً، فالمرض حُكم من الله عليه، واللهِ لولا أنكم تريدون الأكل ما قمت لآكل وما اشتهيت أكلاً ولا طلبت أكلاً إلا على جهة التعبد والتأدب (والحب يعترض اللذات بالألم).
يعني لم تبقِ لذة حب الله عنده لذة طعام أو شراب، فهذه لذة زائلة.

- ولا يجوز لولي أن يفضح أحداً من المسلمين، إلا إذا دخل عليه بغير أدب أو اعترض عليه أو خاطبه باستهتار وهم أنواع من العُصاة، وقد يهدي الله عاصياً إذا رأى أن الله أطلع الولي على سره الذي لا يعلمه إلا الله.

- فعليكم بمصاحبة الأولياء، واحفظوا قلوبكم معهم وتأدبوا غاية الأدب، ولو تأدب الإنسان مع الله قدر تأدبه مع شيخه أو مع الرجل العظيم في قوته أو جاهه لوصل إلى الله، فاستحيوا يا أخواني من الله فهو الأعظم، قال الله تعالى {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} سورة الحج 74.

- إن الله أفاض علي في أمور، لا يعلمها إلا هو، وقد ساق إلي خلقه في علمه القديم وأحب أن يستأذن زواري قبل الدخول عندي وقبل الخروج. فلقد دخل رجل على سيدنا عمر بن الخطاب بدون إذن فضربه بالدرة.
فقال له: لم ضربتني؟!
فقال له سيدنا (عمر) لأنك دخلت على سلطان الله بغير إذن، فأراك الله سلطانه.
- فيجب على المريدين التزام الأدب مع العارفين، وينبغي للجالس عند العارفين بالله أن يكون معه ورقة وقلم لأنهم إذا ردوا من حضرة الشهود، أُذن لهم بالكلام لأنهم نواب الحضرة المحمدية وخبراء طريق الله ينطقون بما في القلوب، فإذا أرادك الحق أوصلك إليهم. فيجب الدخول عليهم بأدب، ومجالستهم بالأدب، ومخاطبتهم بالأدب وإكبار شأنهم.
{ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} سورة الحج 32.

- ويجب عليه أن يسلم لهم حالهم وقولهم، ولا يعترض على ما لم يعرفه، حتى يتبين له في المجلس أو في مجلس آخر دون أن تحكم، فإن فعل العبد ذلك يرجى له الخير في الدنيا والآخرة.

- قال لي أحد الجلساء:
{جلوسك معنا تواضع كبير}
فقلت له: حالي كذلك! لو جاءني كافر لعانقته، فالمؤمن الكامل لا يلغو في كلامه، وكل ما ينطق به موعظة أو عبرة، أو توضيح حكم، أو تفسير معنى أو دلالة على خبر من فعل أو قول أو اعتقاد، وهو لا يتحرى في ذلك إلا ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى، وما ينفع الناس في الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} سورة الفرقان 72.
و{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} سورة المؤمنون 3.
ومن أطاع غنياً في غير مرضاة الله كان خائناً، فإذا بُعث بعد الموت من قبره، خرجت معه خيانته تنادي {أنا خيانة فلان}.

- لذلك كانت الوحدة خير من جليس السوء المتعلق بالدنيا. والذين يتثاءبون في المجالس عندهم مرض في قلوبهم، ونقص في سيرهم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يتثاءب ولا يحتلم قط.


السالك لطريق الحق

هو العبد المتوجه إلى ربه، والمُخلص في طلبه، ويجب أن يكون ذكياً رقيق الجوانب ألِفاً مألوفاً، يحب الصالحين، ويتعلق بالقدوة الحسنة التي يرزقه الله بها، متفانياً في إتباعه لها.
المُريد: إما مُريد إدراك أو مُريد تربية، وإن الوصول إلى الله شديد، ولابد فيه من العالم الخبير. قال تعالى: {الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} سورة الفرقان 59.

فكم لها من سامع منتفع *** يعلم ما يأتي لها وما يذر
وغافل عن الرموز جاهل *** يقول من يقول ذا فقد كفر


فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا: أي فاسأل بذاته هو خبيراً، وقد يُقال فاسأل به خبيراً به أي عارفاً به. وفي الحقيقة فاسأل الرحمن على الخبير، وأيضاً اسأل الخبير العالم بالرحمن، يدلك على الرحمن جل شأنه. أي انتق الخبير العارف بالله تعالى، فهو يدلك على الإحسان في أداء المفروضات وفي المعاملات والكمالات الإنسانية.

الخبير:
لا يُشترط أن يكون من فئة بعينها. بل العارف بالله هو الذي يقطع يقين العبد، أنه من حضرة الله وأولياءه. وهو الذي يحب العبد شاكلته المحمدية، وتظهر عليه مظاهر الميراث المحمدي، وعلامته، أن يكون عاملاً بالكتاب والسنة ومتمسكاً بمكارم الأخلاق، لا يؤخذ عنه خروج عن أحكام الدين أو التفريط في الفرائض أو سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وأن يكون رحمة مهداة لأهله وجيرانه ومحيطه الاجتماعي والعالم كله، باراً بالضعفاء والفقراء نقياً من كل النقائص، لا يداخله الغرور بنفسه ولا اعتزاز بطاعته ولا يترفع عن الفقراء ولا يهاب الأغنياء ولا الأقوياء، ولا يخشَ في الله لومة لائم. رائحة زكية وأحواله سنية، لا يمل جليسه مجلسه ولا يود مفارقته.

- قال الشريف الرضي في حبيبه:
وما تمكث جسمي عن لقائكم *** إلا وقلبي إليكم شيق عجلُ
وكيف يصبر مشتاقٌ يحركه *** إليكم الحافزانِ الشوقُ والأملُ
فإن نهضت فما لي غيركم وطر *** وإن قعدت فما لي غيركم أملُ

وذلك لأن الكمال المحمدي في شاكلته، وكل من كان على الشاكلة الشريفة، كان جماله طاغياً يحتل القلوب عنوة، لأنه يأخذ بألبابها فتسلم له قيادها، وفي هذا المعنى يقول الله تعالى جل شأنه {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} سورة الزمر29.
وقال الله تعالى:
{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} سورة البقرة 132. أي تبيعوا أنفسكم وأموالكم لله، لقوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} سورة التوبة 111. وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} سورة الفتح 10.
فهذا هو نفس الشأن مع العارفين بالله ورثة القدم المحمدي في الدعوة إلى الله، وأن الطريق إلى الله يصعب الوصول إليه جداً ولا يتأتى بالهز ولا بالهمهمة.

- فالمراد بالتوحيد: هو أن تتعلم الأدب في الوقوف بأبواب العلماء بالله. والمراد من الصلاة والصوم هو أن تتعلم أدب الوقوف بين يدي الله، وكم وقف قوم مع عباداتهم، وافتتن آخرون بالكرامات التي يُظهرها الله على يد أولياءه، فضلوا عن ربهم، لذلك فأني في حاجة ماسة إلى خبير يرشدني في طريق الله إلى أن نجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة ومناماً، حالاً ومآلاً.
ولا يصلح المرشد للإرشاد إذا كان أقل من هذه المرتبة، وإذا لم يوجد الكُفء يُباح التيمم وهو إتباع أفضل الموجودين من الأمة في هذا الباب، حتى يرزق الله المُريدين بالمكمل من عباده، وهم رزق يسوقه الله لمستحقيه فيا حسرتي على العلماء إلا القليل. فالعالِم إذا لم يكن مظهراً من مظاهر النبوة، لا يصح الأخذ عنه في السير إلى الله، لأنه إن لم يكن كاملاً فإنه يقع في مخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فما بالكم بالمخالفات الأخرى.

فعليك أيها الأخ أن تتوجه إلى الله بكليتك وتصلح آنية قلبك، وتجالس الصالحين بأدب لتتلقى عنهم، فإن من جالسهم بأدب رشحوا عليه من فيض الله، فأذاقوه لذة العبودية ولذة القُرب من فيض الله فإنهم يتصدقون من فيضه تعالى، وقد ربط الله البعض بالبعض، والكل بالكل، والمكمل بالكامل لتمام النفع وتحقيق الخير.

- وعلى المُريد أن يتخلى عن علمه وعن كسبه قبل أن يتتلمذ على شيخه، فإن من دخل بعلمه أو بعمله حُرم المدد والعطاء، وقد قال ابن الفارض في المعتز بعلمه أو عمله أو جاهه.

أتيت بيوتاً لم تقل من ظهورها *** وأبوابها عن قرع مثلك سدت
وبين يدي الله نجواك قدمت زخرفاً *** تروم به عزاً مراميه عزت
وجئت بوجه أبيض غير مسقط *** لجاهك في داريك حاطب صفوتي
ولو كنت بي من نقطة الباء خفضة *** رفعت إلى ما لم تنله بحيلة
بحيث ترى ألا ترى ما عددته *** وإن الذي أعددته غير عدة
ونهج سبيلي واضح لمن اهتدى *** ولكنها الأهواء عمت فأعمت
فلم تهوني ما لم تكن في فانياً *** ولم تفن ما لم تتجلى فيك صورتي
فدع عنك دعوى الحب وأدع لغيره *** فؤادك وأدفع عنك غيك بالتي
وجانب جناب الوصل هيهات لم *** يكن وها أنت حي إن تكن صادقاً مت

وعلى قدر الأدب في مجالسة الصالحين يكون العطاء، والأمر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسر إلى بعض أصحابه علم الأحوال، بينما علم الشريعة أبلغه للكل، أما علم سر القدر فلم يبلغه لأحد رحمة بالأمة، والحمد لله الذي جعلنا من أمته وأدخلنا في رحمته. ولو تأدب الإنسان مع الله قدر تأدبه مع شيخه لوصل إلى الله، فاستحيوا يا أخواني من الله الأعظم.

- زارني شاب في الخامسة والعشرين من عمره، يُخفي وجهه ولحيته، فألقى السلام ورددت عليه السلام وقبل أن يجلس سألته عن أركان الإسلام فلم يجب، وسألته عن معنى لا إله إلا الله فلم يجب، فنصحته أن يذهب ويحلق لحيته، ويلحق بعمل يأكل منه، ثم يتصل بعالم يفقهه في الدين، ثم بعد ذلك كله يرسل لحيته. وواجب على مؤمن أن يهاجر إلى الأولياء والصالحين مهما تحمل في سبيل ذلك من مشاق ومصاعب، فإن سيدنا (موسى) عليه السلام هاجر في طلب الخضر، وفي ذلك عبرة لنا. {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} سورة الكهف60. نأخذ من هذه عبرة، وهي أن من الواجبات علينا زيارة الصالحين مهما تكلفت من جهد ومشقة. ونبي الله (موسى) عليه السلام وهو من أولي العزم وكليم الله وأُنزلت عليه التوراة لقد سار حتى وصل إلى مكان سيدنا (الخضر) وهو عبد من عباد الله، أتاه الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه، يسير إليه حتى يبلغ المكان أو يمضي حقبا حتى يمده، وقد لقي في ذلك عناء ونصباً، عبر القرآن {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} سورة الكهف 62. وبعد أن لقيه سيدنا (موسى) عليه السلام
هل قال له: أنا نبي الله موسى؟ هل قال له: أنا كليم الله؟ هل قال له: أنا صاحب التوراة؟ كلا ولكن بكل أدب رباني.
{قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} سورة الكهف66.

أنظروا وتعلموا الأدب مع الصالحين واحضروا إليهم بانكسار وذل لله لكي تغنموا.
قال سيدنا (الخضر) لسيدنا (موسى): {قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} سورة الكهف 67.
فلم يغضب سيدنا (موسى) عليه السلام وهو من أولي العزم من الرسل. بل {قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} سورة الكهف 69. وبعد ذلك قال سيدنا (الخضر): {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} سورة الكهف 70.
وهذا هو شرط المُريد، إذا أراد الإتباع والفوز والفلاح.
فانطلقا وحصل ما ورد في كتاب الله منهما واعتذر سيدنا (الخضر) وقال: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} سورة الكهف 82. وقال (النبي) صلى الله عليه وسلم: (رحمة الله علينا وعلى موسى لرأى من صاحبه العجب) رواه أبو داود والنسائي وابن عساكر عن أُبي رضي الله عنه.

- فعليك أيها الطالب للأولياء أن تقتبس من أنوارهم، وتسير على منهاجهم وأن تؤدي الواجب عليك نحو ربك ورسولك، وأن تتقذر مما سوى الله ورسوله، ولا تجعل لك لذة في شيء.

- يقول الشيخ الفضيل:
ذهبت للحج فلم أتفرغ للعبادة من كثرة الناس، وفي الليل قلت لأحد تلاميذي:
اذهب إلى كل واحد يحضر المجلس وقل له إن الفضيل يريد منك ديناراً ففعل ذلك، وبعدها لم يحضر أحد منهم، فتفرغ للعبادة وفي أيامنا هذه لا يوجد من المُريدين الصادقين إلا القليل، وذلك لتعلق الناس بالدنيا، ولأن أنفسهم أحضرت الشح....


كرامات الأولياء

- الكرامة خلق من خلق الله يخلقها الله في قلب عبده متى شاء.
- الكرامة خلق من خلق الله والعبد آنية من أواني الله يضع فيها ما يشاء من عطائه.
- الكرامة التي تظهر من الولي، هي طفح يزيد عليه فيخرج رغم أنفه.

يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي:
{لا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها أو كنته}.رواه البخاري

يقول (النبي) صلى الله عليه وسلم:
{اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله} أخرجه الترمذي

وإن أولياء الله هم العلماء بالله، وورثة الأنبياء، وهم يعرفون الناس ودرجاتهم وأعمالهم. وقد تحقق ذلك في الصحابة رضوان الله عليهم وفي الصالحين من بعدهم.

وقد ورد أن رجلاً دخل على سيدنا عثمان فقال له أمير المؤمنين:
إن الرجل ليدخل علينا وفي عينيه الزنا، واللهِ لتتوبن أو لا عذر لك
فقال الرجل: أَوَحيٌ يا أمير المؤمنين بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟!
قال: لا، ولكنها فراسة المؤمن.

ولا يجوز لولي أن يفضح أحد من المسلمين إلا إذا دخل عليه من غير أدب أو اعترض عليه أو خاطبه باستهتار، وهم أنواع من العُصاة وقد يهدي الله عاصياً إذا رأى أن الله أطلع الولي على سره الذي لا يعلمه إلا الله.
وكرامات الأولياء أكبر شاهد لهم باختصاص الله لهم، ورحمته إياهم ومنحهم التأييد بخرق العوائد المألوفة وذلك رحمة بالناس
{إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} سورة البقرة 143. وذلك يؤدي إلى الرجوع إلى الله والاستقامة بعد الانحراف.


أنواع الكرامات:

- كرامة واجبة.
- كرامة لتقوية المُريدين.


أولاً: الكرامة الواجبة:

مثل كرامة سيدنا (عُمر) عندما كان يخطب في المدينة، فرأى سيدنا (سارية) رضي الله عنه. قائد المسلمين وهو يستعد لمحاربة الكفار، وكان في موقع غير ملائم للحرب أسفل الجبل وهو والجيش على بُعد كبير من المدينة، فقطع سيدنا (عمر) رضي الله عنه الخطبة وقال:
{يا سارية!! الجبل} وسمع (سارية) النداء وعلم أن سيدنا (عمر) رضي الله عنه قد أمره بالصعود على الجبل بجيشه ليلقى الأعداء من الموقع الأفضل، وقد تم للمسلمين النصر بفضل ذلك.

ثانياً: كرامة لتقوية المُريدين:

يُظهرها الله على يد الداعي إليه سبحانه وتعالى لتنبيه المُريدين لليقظة في السير إلى الله والكرامة خلق من خلق الله يخلقها الله في قلب عبده متى شاء. والكرامة قد يطلبها المؤمن لأمر يخصه، فقد طلبها سيدنا سعد لسقي زرعه، فجاءت غمامة وسقت الزرع وفي الحديث القدسي {ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه} رواه البخاري.
والكرامة التي تظهر من الولي، هي طفح يزيد عليه فيخرج رغم أنفه.

الكرامة خرق للعادة:

وتجب لمصلحة المسلمين وجوباً وتُكره إذا أُريد بها الشكر. والدنيا أمام الولي كطبق به تمر، والكرامة ليست من شأن العبد ولكنها شأن الله فهي خلق من خلق الله والعبد آنية من أواني الله يضع فيها ما يشاء من عطائه، ليست بواسطة ملك ولكنها من فضله وسبب الكرامة الصلة بالله، فمن كان له صلة صادقة بالله، أجرى الله على يديه ما يشاء من كرامات {إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره} متفق عليه. رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة.


رائحة الولي تظل بعد انتقاله:

إن المكان الذي يحل فيه ولي من أولياء الله، يظل عطراً على الدوام.
عندما مر النبي صلى الله عليه وسلم في معراجه ليلة الإسراء والمعراج، شم رائحة زكية لماشطة ابنة فرعون، وبمصر أقمار من الأولياء رضي الله عنهم وكل من يزورهم يشم رائحتهم الزكية. فإذا زرت البيت شممتها، وإذا زرت ضريح أحد الأولياء شممتها، وإذا زرت عارفاً بالله شممتها وإذا زرتم مقام الإمام عمر بن الفارض شممتم هذه الرائحة. عمر بن الفارض كان بينه وبين مكة المكرمة مسيرة عشرة أيام وكان يصلي الصلوات الخمس كلها في الحرم وما ترك صلاة فيه قط وذلك تأدباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيا آل مصر يا أبدال يا من بهم عمر الديوان والزمان بكم نتوسل إلى الله العلي القدير أن يرفع بلاء الأمة الإسلامية وأن يرزقها التوفيق والعمل بكتاب الله وسنة نبيه وينصرها على الأعداء، إنه سميع قريب.

الشريف مهدى الحداد
الشريف مهدى الحداد

عدد الرسائل : 23
تاريخ التسجيل : 01/11/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى